انتهاكات المليشيا . ملفات مغمورة .. كتب عقبه محجوب

انتهاكات المليشيا . ملفات مغمورة .. كتب عقبه محجوب
ارتكبت ميليشيا الدعم السريع الإماراتية في سنتين أصنافا من الإنتهاكات لا تخطر على قلب بشر، منها ما رُوي وما خفي منها أعظم.
أحد الملفات المغمورة في سجلات الجرائم هو ملف معتقلات الدعم السريع؛ حيث يظل آلاف المدنيين مغيبين عن أسرهم تحت قبضة الميليشيا بلا رقيب ولا حسيب.
يعد هذا الملف من الملفات غير المثارة في الرأي العام نسبة للصمت النسبي لأسر الضحايا المبرر بالجانب الأول خوفا من رد الفعل السلبي من الميليشيا على ذويهم ولتفرق كلمتهم على بحر السوشال ميديا، ومن ثم ما اتضح لي مؤخرا من جهل أجهزة الدولة حتى بالتفاصيل البسيطة المتعلقة بهذا الموضوع (بعد رؤية الجهل التام لكل من النيابة العامة وأقسام شرطة دائرة اختصاصها بالمنطقة وحتى عند زيارتي للمعتقل نفسه) عليه أحسست بالواجب الملزم في كتابة ما أعرفه مختَصرًا بخصوص هذا الموضوع -وإن تأخرت في ذلك- لإعادة تسليط الضوء عليه؛ لعله يكون إجابة لأسئلة الأسر الكثيرة التي تواصلت معي وغيرهم في سبيل تحصيل معلومة علّها تهوّن مصابهم.
بداية الصورة المرفقة توضح قبور جماعية بمدرسة في الصالحة أم درمان كانت قد رحّلت الميليشيا المعتقلين إليها مؤقتا من مختلف معتقلاتها في الخرطوم بعد أن طُردت جبرا واقتدارا -بفضله تعالى- منها “ليستريحوا” استعدادا لترحيلهم إلى سجن نيالا دون أن توفر لهم أدنى مقومات الحياة، وحسب شهادات الناجين فإن هذه المقابر تضم قرابة ٤٦٥ شهيدا قضوا جراء العطش وسوء المعاملة؛ حيث كان الماء يصل كل ٥-٧ أيام في مجزرة تعد من أسوأ مجازر الميليشيا؛ حيث يقضي الفرد ٤-٥ أيام في أحد الفصول المكتظة بالمعتقلين يعاني من الحر والعطش لفترات طويلة تنتهي بفشل كلوي حاد نتيجة الجفاف ويؤدي للوفاة. حسب شهادات أهل المنطقة فإن حراس المعتقل كانوا من المرتزقة الجنوبيين الحاقدين على المعتقلين بلا سبب سوى أنهم سودانيون، وقد كانوا هم أنفسهم يلقون نفس التهميش العنصري من الميليشيا في تأخير حصص الماء، الأمر الذي أدى إلى تعميق مشكلة المياه بالنسبة للمعتقلين -المغلوب على أمرهم- أكثر فأكثر مؤديا إلى وفيات يومية بمعدلات كبيرة حتى انتهى الأمر بهذه المجزرة البشعة.
ومن جهة أخرى يظل ملف الأسرى مفتوحا حتى الآن بنقل عدد كبير جدا منهم إلى سجن نيالا بدون حصر معين لعددهم ولا ظروف تواجدهم، ولكن بلا أدنى شك فظاهر التعامل مع الميليشيا يكشف خبايا الأمور. في حين يظل عشرات الآلاف من الأهالي المكلومين لا يجدون أي خبر من ذويهم، أمع المقبورين أم بين المنقولين؟
وعليه؛ لا أطلب اهتماما لصيقًا ولا خطوة لتبادل الأسرى ولكن أناشد الجهات المختصة في الدولة بالآتي:
– قليل من السعي في إدراك المعلومات المتاحة بخصوص الملف وتوثيقها ونشرها لتصل لأهالي المعتقلين؛ في إشعار منهم باهتمام الدولة. (وليس هذا بالصعب فلا تعجز الجماعة عما فعله الواحد)
– نشر القوائم المسجلة سلفا المتضمنة أسماء الذين استشهدوا في معتقلات ميليشيا الدعم السريع بصورة رسمية؛ لإعلام أهاليهم. (بدلا من القوائم المصورة بجودة سيئة على مجموعات الفيسبوك ودرءً للاحتيال المنتشر عليها)
– الإهتمام بشهادات الناجين من أجل تحصيل أكبر عدد من أسماء المرحّلين إلى سجن نيالا؛ لأجل حصرهم وتطمين الأسر على وجودهم.
بالأخير أُحمّل ميليشيا الدعم السريع الإماراتية مسؤوليتها الكاملة عما حدث ويحدث للمعتقلين المخفيين قسرا بلا ذنب ولا جريرة ارتكبوها. وإن هذا السرد قطرة من بحر الإنتهاكات فلم أذكر فيه سوى المختصر مما حدث قبل التحرير بأسابيع قليلة فقط، ناهيك عن سنتين كاملتين في غياهب معتقلات الميليشيا وعن الأعداد المهولة في المقابر الجماعية الأخرى.
رحم الله الموتى وتقبلهم شهداء، وجمع بالمفقودين، وفكّ أسر المأسورين، ونفّس كربة الأهالي المكروبين.. ثبّت الله الأجر وجعله كفارات.
صبر قليل وأجر كثير -بإذن الله..







