ود الطيار والاسرة والمصرية في الحرب السودانية (9)

ود الطيار والاسرة والمصرية في الحرب السودانية (9)
استمتع (متولي) بوجوده في تلك القرية واهلها وارتاح نفسياً وجسدياً و ذهنياً وقد وجد بها الانس والطمانينة ومساجدها تعج بالمصلين ومأذنها تنادي ان حي علي الصلاة حي علي الفلاح رغم اصوات الرصاص والقنابل و اناسها الطيبون وتكافلهم وتراحمهم… فقد امتدت اقامته لاكثر من شهر اطلع خلالها علي نموذج ممتاز يمثل اهل السودان.. وقد قابله وجلس اليه عدد من الفئات المختلفة واحتفوا به احتفاءهم بالضيف كعادة متاصلة بهم
وفي هذه الحالة فان الدبلوماسية الشعبية لا تحتاج لشهادات الجامعات وتسوقها الطبيعة البشرية وسماحة البشر و تختلف تماماً عن الرسمية التي لا تحتاج لوزارة خارجية وموظفين ورواتب وميزانية وموارد و رسوم ووو وربما بعد كل ذلك تاتي بكوارث لا تمثل الشعوب والعداءات التي غالباً ما تكون مغايرة للواقع ولا علاقة للشعوب بها اطلاقاً غير ان التفاعل المباشر بين الشعوب هو الذي يكون نتاجه اعظم لذلك نجد ان الدول الراقية وبصورة ما تدخل الدبلوماسية الشعبية الي الحيز الرسمي عبر المراكز الثقافية و غيرها وتتفاعل مع المجتمعات و تجد القبول بصورة جيدة
….. …..
………….
وقريتنا بها امثلة كثيرة واسر كبيرة توضح هذا التفاعل ولعل اعظم صوره هي التي تصل للتصاهر فمنذ وقت ليس بالقريب المصرين لهم ولنا بهم صلة مصاهرة فكل القرية تعرف المعلمة (احسان فتحي) زوجة (النور الحكيم) طبيب القرية في تلك الايام رحمهم الله و(صلاح المصري) الذي مازال موجود بالقرية وفضل البقاء بالسودان والدته من اسر الباشوات (حبيبة نظمي باشا) زوجها( احمد التوم النص) واخوان صلاح المصري نالوا مناصب محترمة بمصر والعلاقة بين هذه القرية والمصريين ممتدة وقبل سنوات قريبة انتقل (عبد اللطيف امان) الذي عاش اولاده وتربوا بالسودان وهو من صاغة الذهب وبعد ان كبروا وهاجر بعضهم انتقل بزوجه المصرية (فائزة) الي القاهرة والجميع يشاهد في القرية الشاب المصري (سيد) وهو يمارس نشاطه الاجتماعي في افراح واتراح القرية وهو متزوج من القرية ويعيش حياة (اولاد ابربجة) وهو جزء منهم…. وهذه مجرد امثلة يمثل احد طرفيها مصري وهناك العشرات غيرهم وقصص وتاريخ وغناء عن علاقات مصاهرة مع اليهود والنصاري هذا علي مستوي قريتنا وفي السودان ومدنه وقراه الكثير مثلها اما من اشهر اهل السودان الذين فضلوا العيش بمصر الشاعر الغنائي عبد المنعم عبد الحي والذي عمل بالقوات المسلحة المصرية حتي وصل درجة ظابط عظيم واستشهد اثنان من ابنائه في حرب اكتوبر وهم ظباط ايضاً كذلك الشاعر والكاتبو المسرحي و الاعلامي السر قدور وهو معلوم لجيل اليوم عبر برنامجه الشهير (اغاني اغاني) توفي قبل شهور رحمه الله… سقنا كل ذلك حتي نتبين العلاقة بين الشعبين وكل الشعوب والدبلوماسية الشعبية وما ينتج عنها من معرفة وتصاهر واجيال
………..
………..
هموم الانسان ومشاكله في هذه الدنيا مستمرة ومتجددة ولا تتوقف من مهده الي اللحد…
بعد ان استقر (متولي) واطمأن نوعا ما بالقرية وهذا ما كان يبحث عنه في لحظة ما وكان الرجاء الوحيد هو البقاء والامل في استمرار الحياة و ان يظل هو واسرته بعيداً عن الدماء و القتل في تلك الظروف القاسية
الان بدأت تظهر هموم جديدة ومرحلة قادمة يجب العمل لها وهي كيفية مغادرة السودان… وهم اخر لم يكن في الحسبان وهو امتحانات ابنته التي تقرر ان تكون( اون لاين) ومع سوء الشبكة ومشاكل الانترنت و إمكانية تجاوز هذه المعضلة ومن خلال تواصله مع الاخرين بالقرية علم ان هناك موقع به الشبكة جيدة قرب برج التقوية عند منزل كبير القرية و امام مسجدها العتيق وخليفة سجادة جده (الولي الصالح) وقباب اجداده الظاهرة في ذلك الحي العتيق كما علم متولي علاقة ذلك (الولي الصالح) وحكوا له عن علاقته بالازهر وقصة(الاجهورية) ومفتي الديار المصرية مما جعله اكثر تشوقاً للتعرف علي (الخليفة بدر الدين)
وقد عرفتنا المسلسلات والافلام المصرية اهمية (الكبير) و(العمدة) و (الشيخ) وكل من هو كبير في مجاله والاحترام الذي يجده… واهل مصر الي اليوم لهم تقدير (للكبار).. هذا السلوك كان ديدن اهل هذه القرية قبل ان تبدأ جهات السياسة في خلق الفتن والصراعات وظهرت عبارات (نحن مالنا ومال العمدة العمودية انتهت زمااان) وسوء الادب مع الاخرين للنيل من مقاماتهم (خليفة شنو وقرف شنو هو الدين دا حق منو) واصبحت هذه القلة هي المتحكمة بقوة السلاح وفعلت ما فعلت في القرية الامنة وزجت بشيوخها وكبارها في السجون في بداية (الانقاذ) او ماعرف بثورة الاخوان وبمثل تلك الافعال في كل انحاء السودان وصلت بلادنا الي ما هي عليه الان
ماسمعه متولي عن( الخليفة بدر الدين) جعله في شغف لرؤيته وكأنه يحاول جمع رابط بين حلقات منفردة اصبحت تتجمع عنده بعد تلك الرؤية و(مرحبا بك في طنطا) الشيخ البدوي والمكاشفية في الشكينيبة و هاهو خليفة (ود الارباب (المحسي المو كضاب) وصاحب الاجهورية المرتبطةَ بالعلاقات المصرية
اتصل متولي بود الطيار و اخبره بامتحانات ابنته وضعف الانترنت ورغبته الصادقة في مقابلة (الخليفة بدر الدين)..وقد رتب ود الطيار لذلك اللقاء
وجد متولي نفسه اما رجل اسمر ذو لحية بيضاء يكسوه الوقار وتلفه الهيبة استقبله واسرته بحفاوة وادخلهم الي صالون فخيم وواسع جداً يشبه مجالس الباشوات والعمد بمصر… استانسوا ببعضهم البعض وتداولوا الحديث عن الاحداث الراهنة… وجد متولي نفسه امام رجل واع ومدرك لما حوله يتحدث في الدين والسياسة والعلوم الاجتماعية وعلاقات الشعوب واصل الانسان وانسانيته التي لا تخلو من الشرور… وجد نفسه رجل تعلم من الحياة والهجرة والمصاهرة الكثير فقد تنقل الخليفة بدر الدين في كثير من الدول الاكثر تحضراً ونقيضها واكسبه ذلك معرفة جيدة…. وبعد انس جميل استاذنهم الخليفة بعد ان قال له بصورة جادة (اعتبر البيت بيتك والباب مفتوح في اي وقت في وجودي او عدمه) وتركهم للتواصل عبر النت بعد ان خلف لديهم انطباع تام بانهم اصحاب الدار وهو ضيفهم
…….
………..
اكملت البنت امتحاناتها بسلام وما زالت الحرب تمتحننا كل يوم ولا تدري متي تنتهي هذه الامتحانات
ومتي تعود بلادنا الي امنها امانها.. الكثيرون سقطوا في امتحانات الحرب التي كشفت لنا الكثير مما كان خافياً علينا ومتخفياً باكثر من وجه وخلف اكثر من ستار… قولوا ياااااستار….
يتبع
سلام
محمد طلب