أخر الأخبار

(ود الطيار) والاسرة المصرية في الحرب السودانية(7)

(ود الطيار) والاسرة المصرية في الحرب السودانية(7)

 

بعض الاوقات العصيبة يستحيل قياسها بالساعات التي تزين الايادي او الرقميات التي ملأت دنيانا وكذا الاوقات الجميلة تمر سريعاً فبعضها القاسي يمر ثقيلا والاخر بسرعة البرق الخاطف… فالستة عشر عاماً التي قضاها (محمد متولي) وفتح الله فيها عليه برزق وافر وعلاقات طيبة هاهي قد راحت (ومضت عجلي)كما تغني (الكابلي) وايام الحرب تمر ثقيلة وكئيبة وتبدو بلا نهاية كما نشاهد الان …..

 

لم يكن امام سائق الدفار (الحريف) فرصة سوي الانطلاق بهذه الاسرة المنكوبة وهي تودع اسرة (عمار) بالكلاكلة المهددة بنكبة قادمة… انطلق( الدفار) والدموع مازالت تبلل خدود الجميع و الكثير منها حبيس يعلن التماسك امام هولاء الصغار…..

 

لم يتوقع (محمد متولي) وزوجه ان يكونا يوماً ما علي ظهر (عربة نقل بضائع) مع اغراضهم يتنقلون بين القري والمدن بحثاً عن الامان فنظر الي عيني زوجه الحزينتين وهي تحتضن ابنتها الصغيرة فوجدها تتمسك بالامل الظاهر علي عينيه خلف النظارة الطبية وتبادلا ما يشبه الابتسامة ولا يشبهها لكنها عبّرت عن لغة يصعب علىّ ترجمتها…. فهي خليط (متجانس) من المشاعر المتناقضة والمتنافسة في ذات الوقت للسيطرة علي الارواح والتمسك بالصبر مع الامل والاماني العذبة تتراقص حيالهم و(تشبه) بشكل كبير هذه الحرب لكنها (لا تشبهها) في ذات الوقت…

 

كان (ود الطيار) عبر اتصالاته المكثفة قد رتب كل شئ بقريته الجميلة الوادعة الواقعة علي ذلك النهر متقلب المزاج ذو المجري الضيق سريع الجريان حيناً والمتهادي احياناً….. وجهز بيته واهله لاستقبال ضيوف الحرب اللعينة

 

كانت اسرة (محمد متولي) الكبيرة بمحافظة البحيرة قلقة جدا علي الاسرة الصغيرة وتتابع اخبارها بشفقة ودعوات صادقات فما نقلته الاخبار عن الاسري المصريين بمطار مروي( طبعاً فقط نظروا لانهم مصريون ولم يتنبهوا الي الفرق بين المدني والعسكري اثناء الحرب) وهو ذات الشئ الذي عاني منه (محمد متولي) في رحلته الي وطنه وما تعرض له من اتهامات في الارتكازات العسكرية وكادت نهايته ان تتم علي يد (ق د س) لولا لطف الخالق العالم ببراءته من الجاسوسية والطيران الحربي وغيره الذي اتهموه به كثيراً اثناء رحلة النجاة الطويلة

 

 

كانت الرحلة من الكلاكلة الي قرية (ود الطيار) اكثر سهولة وامان لم يتوقعه متولي وزوجه وحتي الاطفال الذين يطلقون اسئلة عميقة اثناء رحلتهم تصعب جداً الاجابة عليها.. و قد كان لصاحب (الدفار) دور كبير في طمأنت الاسرة وهو يقول لهم وهو يضغط علي (الكلتش)و يضع عصا (الجيربوكس)علي الترس الخامس الاكثر سرعة وخفة وهم في الاتجاه نحو كبري سوبا (انا لي اسبوع كامل ماشي وجاي في الشارع دا ومافي اي خطورة اطمئنوا) لقد كان زول (تفتيحة) وخلق (علاقات) جيدة مع جنود الارتكازات (قوات دال سين) وهي الاكثر انتشاراً في هذا الطريق وكانت الاسئلة متشابهة في كل الارتكازات (جاي من وين و ماش علي وين وديل منو وعلاقتك بهم شنو) وفي مرة واحدة فقط طلبوا هوياتهم وفي اكثر من ارتكاز كانوا يشيرون له بان يواصل سيره الا انهم واجهوا مشكلة واحدة عند مفترق الطرق المؤدي للقرية لكنهم بعد وقت طويل واخذ و رد سمحوا لهم بدخول القرية التي كانت تبدو هادئة ومعظم شوارعها عليها حواجز تمنع الدخول

 

 

هذه القصة والتي تمثل العلاقة القديمة بين شعبي وادي النيل تذكرني الاغنية السودانية التي تزامن وقتها علي ما اظن الثورة المصرية علي حكومة الملك فاروق في الخمسينات وربما ارتباطها بالقوي الاتحادية المنادية بالاتحاد مع مصر والتي قيل ايضاً انها قامت فقط كي لا يتم تتويج عبد الرحمن المهدي ملكاً علي السودان …. و ما يقال كثير الا ان الثابت لم يتم الاتحاد مع مصر تحت ذلك الشعار و انحاز الجميع للشعار المناوئ (السودان للسودانين) وظل الشعار مجرد اغنية وطنية (نحن ونحن الشرف الباذخ دابي الكر شباب النيل) ومخاطبة المستعمر (يا نزلاءنا امرقوا الذمة كيف ينطاق هوان الامة) وقمة الاتحادية في (مافيش تاني مصري سوداني نحن الكل ولاد النيل)

 

وهكذا كانت الدعوة في يوم من الايام السوالف والان نجد ان اوربا وغيرها تتجه نحو الاتحاد وحتي الحرب الدائرة الان في اوكرانيا بها روح العودة للاتحاد لكنه عبر الغزو والسلاح وحربنا حرب نحو شتات وانفصال…. ونعود

 

يتبع

 

سلام

محمد طلب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى