رحلت (سما) لرب السماء ✍️ محمد طلب
رحلت (سما) لرب السماء
رحلت (سما) الي رب السماء والارض وما بينهما برصاص الغدر والغباء و(خيانة الاحباء) فلنا البقاء والصبر وحسن العزاء لذويها و جعلها الله سلفاً لوالديها وشفيعاً لهما في جنات الخلد ويخفف عنهما الم الفراق والحزن العميق الذي خلفته الطفلة البرئية الراحلة نتيجة الحرب (العبثية) برصاصة اخترقت ناصيتها وقضت علي حياتها
للاقدار ترتيب غريب لا ندركه وربما نستوعب شطراً مشطوراً منه عند الربط بين كم هائل كثيف ومتشعب من الاحداث والمواقف المرتبطة ببعضها بصورة عجيبة و ربما خفية خلال رحلة العمر المتقلبة بين (السنوات والاعوام) والخراب والدمار والنماء والاعمار والسنابل الخضر واليابسات… وهكذا الدنيا رحلة نقضيها متأرجحين بين خطين متوازيين من الخير والنماء والشرور والمصائب ولو لا هذا التأرجح لما كان التوازن و لما خرجت (سما) للحياة ولما رحلت عنها ايضاً.. ان اكبر المصائب في هذه الدنيا هو الموت مثلما ان زينة هذه الدنيا( المال والبنون)
رحلت الصغيرة الجميلة ذات السبعة (اعوام) من الخير والجمال اراد لها الله الا تعش (سنوات) الشر والقبح الانية وربما الاتية التي لاندري هل ستكون معبراً لقادم احلي ام انها ستكون ذات مذاقات مريرة لتعودنا علي القادم الامّر واحتماله وابتلاعه عبر المذاقات الحارقة والمريرة…
في ذات الدار التي اُقيم فيها الماتم لذات (الشلوخ المطارق) قبل ايام اراد الله ان تكون هي المرة الاولي التي اري فيها (سما) …. كان ذلك اليوم الذي ذهبت فيه متعثراً متاثراً يعتصرني فيه الالم علي( ذات الشلوخ) وذكرياتي بذلك الحي العتيق وتلك البيوت تتراي امامي كانها اشباح من الذكريات الجميلة…. بعد العزاء علي( بت السر) رحمها الله وجدت نفسي امام تلك الدار الجميلة واهلها الكرام التي كم قضينا تحت ظلالها اياماً جميلة الا انها افتقدت الكثير من الحياة فاشجار (الفايكس) الجميلة التي كم اتخذنا منها مسرحاً ومقيلاً حلت محلها مبانٍ اسمنتية قضت علي شئ من خضرة الحياة ومثلما اخذت اشجار (الفايكس) تلك دورتها في الحياة وانتهي اجلها رحل د. عبد العزير بعد ان قضي نحبه ونحن نحبه وكم لعبنا ومرحنا سوياً في طفولتنا ثم رحل فجأة في حادث اليم لتلحق به (سما) التي لم يرها في الدنيا واحسبه يلاعبها الان بالجنة…
دخلت تلك الدار بعد عقود وجلست صامتاً علي الكرسي
ودار امام ناظري شريط من الذكريات… يا تري هل تلك الركيزة التي يقف عليها باب الحوش هي ذات الركيزة والحائط الذي كانت تضع لنا عليه الحاجة (اسماء) بكرمها المعروف (الابري البارد) (والرقاق باللبن) وكل ما لذ وطاب في ليالي رمضان الجميلة قبل ان يتبين لنا الخيط الابيض من الاسود من الفجر فقد كنا في زمن جميل (نضرب النوبة ضرباً فتئن وترن) ويستيقظ اهل القرية الوديعة للسحور وقد كان ذلك المنزل محطتنا الاخيرة التي نجد علي حائطها (سحورنا) ينتظرنا ويكفينا ويزيد ونحن ثلة من الشباب
كان ذلك قبل عالم الانفتاح الفضائي والانترنت ووسائطه التي قضت علي مظاهر السحور القديمة وحتي الاطفال يدركهم الفجر مستيقظين الا ان( سما) كانت مختلفة رغم اني رايتها مرة واحدة فقط وهي المرة الاولي ولم اكن ادري انها ستكون الاخيرة التي اري فيها تلك البنت الحديقة الانيقة الرقيقة صديقة الحياة وجمالها رايت بنت ترتدي نظارة طبية وتحتضن قطة تلاعبها دون خوف او وجل هالني المنظر الرائع وحسبتها قطة مصنوعة بادئ الامر فقد اصبح كل شئ مصنوعا وخلت الطبيعة عن جمالها….. نظفت النظارة كي اتاكد من انها قطة حقيقة وقد كانت فعلاً قطة حقيقية حينها ادركت ان( سما) طفلة مختلفة… قلت في جهري (صلاة النبي وما شاء الله) وكما يقول اهلي الشايقية رددت في سري (عيني باردي) وابتسمت مشيراً لها لكنها لم تعرني التفاتة يبدو انها مندمجة في عالمها الخاص تلاعب قطتها واشياء لا نعلمها بعيداً عن (التابلتز) و(الايبادز) والعوالم غير الواقعية المفروضة علي الاطفال الا ان (سما) كانت مختلفة تتعامل مع قطتها الصغيرة وواقعها المحيط وخفت عليها صدقاً من هذا الجمال الذي يحيطها و لاول مرة تجسدت لي واقعاً انشودة حفظناها ونحن صغار ( لي قطة صغيرة سميتها سميرة تنام بالليل معي وتلعب باصابعي) … يا الهي ما هذا المنظر الجميل الذي تم تصويره لنا ونحن صغار لكني لم اره قط واقعاً الا عند (سما) الجميلة بعد نصف قرن من الزمان… صوروا لنا الجمال لكنا لم نره واقعا فنحن جيل (بِس) و (جر) و(تك) و(عر) و (كر) وكل الفاظ الزجر والنهي والامر الان فقط ادركت ان مقررات (بخت الرضا) كانت تهدف لتغيير السلوك ولو تغيير سلوكنا لما اخترقت الرصاصة راس (سما) اننا شعب عنيد هزمت عندنا ثقافة( الهمبتة) والقنص وكلابه قططنا الصغيرة وجمالها وتذكرت مقال كتبته بالقاهرة مع (عم سما) عبد العظيم المقابلي تحت عنوان (مُراح كدايس) عندما رايت سيدة في عمر (ذات الشلوخ) وهي تطعم عدد مهول من القطط بطريقة اقرب الي البوفيه المفتوح و كل صباح تجتمع حولها هذه القطط بالوانها المختلفة ولا ادري من اين تاتي هذه القطط وتلك السيدة؟؟ رفضت تلك السيدة عندما استأذنتها للتصوير ولو كنت اعرف الاقدار لصورت (سما) دون اذن مسبق فهي ابنتي الحبيبة
احتضنت (محمد عمر) وبكينا سوياً وصورة (سما) عالقة بالذاكرة البصرية واحسست بمدي الالم الذي يعانيه هذا الشاب المهذب لفقد بنته الجميلة المحبة للواقع والحياة رغم مرارة هذا الواقع وهي تلاعب قطتها والرصاص يدوي فوق روؤسنا…
وداعاً صغيرتي وستظل صورتك عالقة بذهني الي ان القاك بالجنة ان شاء الله مع قطتك الصغيرة.. وستظل الاسئلة حول (قطط الجنة) حائرة الي ان القاك فقد عرفنا هنا (القطط السمان)……..
ولا حول ولا قوة الا بالله… وانا لله وانا اليه راجعون برصاص هذه الحرب او بغيره تتعدد الاسباب والموت واحد
سلام
محمد طلب