أخر الأخبار

لماذا ترتكب المعاصي، على الرغم من تصفيد الشياطين في رمضان؟! – وقفات، وتدبرات رمضانية .. اليوم السادس ✍️ عادل عسوم

الواقع يشهد ارتكاب المعاصي ممن يصومون رمضان ومن لايصومون من المسلمين وغيرهم، يحدث ذلك على الرغم من ورود أحاديث صحيحة تفيد بتقييد الشياطين أو تصفيدها في رمضان:

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ).

وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ).

صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

سأجمل ماقيل عن السبب في ذلك من شراح الأحاديث ومن العلماء، ثم أخلص إلى ما أجده أرجح عندي:

1-لعل المراد أن الشياطين المصفدة هي المردة والجبابرة فقط، وأما غيرهم فلا يقيدون، لذلك تقع من الناس بعض المعاصي وأكثرها غير خطير، وهذا ما نصت عليه رواية الترمذي (صفدت الشياطين مردة الجن).

2- لعل المراد بتقييدها عدم تسلطها على من يصومون صومًا صحيحا (كاملا) روعيت فيه كل الأسباب التي منها عفة اللسان والنظر والجوارح كلها من المعصية استجابة لقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) رواه البخاري.

3- أو المراد أن الشياطين كلها تقيد بمعنى يضعف نشاطها ولا يكون بالقوة التي يكون عليها في رمضان.

4-هناك العادات والأعراف القبيحة التي تدفع إلى الشر.

5- هناك شياطين الإنس.

6- وهناك دور (النفس الأمارة بالسوء).

أقول:

لقد أقر الشيطان يوم القيامة كما ورد في الآية الكريمة: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم} إبراهيم 22.

هذه الآية تدل جليا بأن هناك باعث مهم لارتكاب المعاصي وهي (النفس الأمارة بالسوء)، وقد قال ربنا ربنا بأن كيد الشيطان -في أصله- ضعيف:

{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} النساء 76

لقد ورد ذكر الشيطان على جهة الإفراد والجمع في القرآن في 88 آية، وورد ذكر إبليس في 11 آية، وفي كل هذه الآيات لا يجد المتدبر إلا (ضعفا) في خطابه وتفاصيل كيده إن كان لأبينا آدم أو ذريته، وابليس معترف أصلا بأنه عاجز عن اغواء عباد الله المخلصين:

{فبعزتك لأغوينهم أجمعين ° إلا عبادك منهم المخلصين} البقرة.

ثم إن آثام بني آدم أصلا ليست كلها من فعل وغواية ابليس والشياطين، انما بفعل مصدر آخر، ومن ذلك أول جريمة قتل ارتكبت على وجه الأرض، فقد كانت (النفس الأمارة بالسوء) هي الأساس في جريمة قتل قابيل لهابيل، وكان الدافع للقتل هو (الحسد):

قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} المائدة.

وكذلك كانت جريمة اخوة يوسف عليه السلام معه، اذ لم يرد ابدا ذكر الشيطان موسوسا أو غاويا.

وبالتالي فإن الآثام في رمضان سببها النفس الأمارة بالسوء، اذ تظل نفس الانسان الأمارة بالسوء لايطالها تصفيد في رمضان أو سواه، ولايسلم من سوئها إلا المتقين.

نعم إن ألد أعداء الإنسان الشيطان، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} فاطر 6.

لكن قال تعالى عن كيد ونزغ الشيطان:

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فصلت 36

فالاستعاذة بالله تبعد الشيطان وتلغي غوايته تماما.

وهو في الأصل:

{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} النحل 99

ولكن قال الله عن الهوى والنفس الأمارة بالسوء:

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} الجاثية 23

فمن كانت نفسه أمارة بالسوء فٱنه يستسهل ارتكاب المعاصي والآثام، ويصبح مطية للشيطان بل وجنديا من جنده ان كان في رمضان او في غيره من الشهور، لذلك لاتنقطع الآثام في رمضان والله أعلم

لكن بحمد الله هناك خطوات لو اتبعها صاحب النفس الأمارة بالسوء تكون سببا لاصلاحها بتوفيق الله، ومن ذلك:

أولا المشارطة:

أن تشترط على نفسك الاقلاع عن السوء، وأن تلزم تقوى الله وطاعته، وحبذا لو كان ذلك منك عند النهوض من النوم مع صلاة الفجر كل يوم.

ثانيا المجاهدة:

أن تأطر نفسك أطراً وتدفعها إلى طاعة الله من صلاة وصيام وتلاوة، وتلزمها إلزاماً بمخالفة الهوى.

ثالثاً المراقبة:

أن تراقب نفسك.

رابعاً المحاسبة:

أن تحاسبها على الأفعال والأقوال.

وأختم بالقول بأن هناك العديد من المؤلفات في شأن إصلاح النفوس، منها (الروح لابن القيم)، و(مدارج السالكين)، و (مختصر منهاج القاصدين)، (صيد الخاطر لابن الجوزي)، وغيرها من المؤلفات العديدة.

آمنت بالله.

وإلى اللقاء في مقال اليوم السابع ان شاء الله.

adilassoom@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى