وقفات، وتدبرات رمضانية – اليوم الخامس – كيف كان صيام من قبلنا؟ ✍️ عادل عسوم

ورد في آية الصيام:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة 183.
لشرف الصيام وعظمته فقد كتبه الله على البشرية منذ أزلها، ومن يقرأ قصص الأنبياء والرسل يتبين قيمة الصيام، قال الطبري في تفسير هذه الآيه الكريمة: (يَعْنِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ مَثَلَ الَّذِي فُرِضَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
والمعنى الذي تبينته لذلك خلال قراءاتي أن الفرض يخص مبدأ الصيام ومعناه اللُّغوي، والصوم في اللغة الإمساك عن الشيء والترك له، وقيل للصائم صائم لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح، وقيل للصامت صائم لإمساكه عن الكلام، وقيل للفرس صائم لإمساكه عن العلف.
وقد ورد الصوم في القرآن الكريم بمعنى الإمساك عن الكلام كما ورد في حق زكريا ومريم عليهما السلام، ومن ذلك قول الله جل في علاه لمريم عليها السلام:
{فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} سورة مريم الآية 26.
وقوله جل في علاه مخاطبا نبيه زكريا عليه السلام: {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} آل عمران الآية 41.
وقيل بأن صوم اللسان أصعب من الصيام امتناعا عن الأكل والشرب، والإمساك باللسان عن الفحش جزء من الصيام في صيام المسلمين، وذلك يدل على تمام صيام المسلمين وكماله مقارنة بصيام من قبلنا،
ومعلوم أن الأديان السماوية لم ينزلها الله كافة للناس كما هو الحال مع الإسلام، كما ان العبادات في تلك الاديان لم تفرض بالتمام والكمال الذي وردت به ذات العبادة في الإسلام، يتبين لنا ذلك عند مقارنة الصلاة والزكاة كأمثلة، وإن تحجج النصارى بالرهبانية فإنها لم تفرض عليهم إنما ابتدعوها وفيها ما فيها من شطح.
وقيل بأن الصيام الذي كتبه الله -حتى- على الذين من قبلنا هو ذات صيامنا إمساكا عن الطعام والشراب النكاح وصونا للسان، لكن طاله التحريف منهم.
وكما ذكرنا في المقال السابق فإن أول من صام أبونا آدم عليه السلام، ومن بعده نبى الله نوح عليه السلام، وذلك وفقا لما ذكره السيوطى فى كتابه “الوسائل إلى معرفة الأوائل: “فان أول من صام كان آدم عليه السلام الذى صام ثلاثة أيام فى كل شهر” أخرجه الخطيب فى أماليه، وابن عساكر عن ابن مسعود مرفوعاً، ثم قال: وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك قال الصوم الأول صامهه نوح فمن دونه حتى صامه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان صومه فى كل شهر ثلاثة أيام إلى العشاء وهكذا صامه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وقيل بأن أول صيام آدم عليه السلام كان عقب نزوله إلى الأرض وقبول الله دعاءه وتوبته، وكأن حكمة الله اقتضت أن يكون أول صوم لأول إنسان وسيلة لشكر الله والتقرب إليه، وأنه عليه السلام كان يصوم الأيام الثلاثة البيض من كل شهر قمرى، ابتداء من الليلة الثالثة عشرة منه حتى نهاية اليوم الخامس عشر.
وقد صام عقب آدم عليه السلام نبى الله نوح عليه السلام هذه الأيام البيض، وزاد عليها صيام اليوم الذى نجاه الله فيه من الطوفان شكراً لله.
وورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم بأن داوود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما، وصام موسى عليه السلام بين يدي ميقات ربه، إذ أمره الله بصيام 30 يوما ثم اتمها بعشر،
{وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} الأعراف 142
قال الزمخشري في تفسيره الكشاف رحمه الله: «روى أن موسى عليه السلام وعد بنى إسرائيل وهو بمصر، إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله، فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فمه فتسوك. فقالت له الملائكة: كنا نشم من فمك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى ان يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك. وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وان يعمل فيها بما يقربه من الله ثم انزل الله عليه في العشر التوراة وكلمه فيها».
واليهود يصومون ستة أيام فقط طوال العام، ويتبع اليهود فى صيامهم طقوس التقشف، كالنوم على الأرض والامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع، والاستحمام، وتغيير الملابس، والتعطر، وغسل الأسنان، والعمل، وارتداء الأحذية، منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم التالى، ويتم إعفاء الأطفال والمرضى والنساء الحوامل والمرضعات من الصيام.
كما أن هناك نوعان من الصوم لدى اليهود، الأول، فردى ويُسَمى صوم الأسر، ويقع فى حالات الحزن الفردى، أو عند التكفير عن خطيئة، والثانى جماعى، وهو غير ثابت، وغالبًا ما يفعلونه عند حدوث حزن عام يقلقهم، كالصوم عند رداءة المحصول، أو غارات الجراد، أو الهزائم فى الحروب.
أما في المسيحية فلم تشر نسخ الأناجيل الحالية فى نصوصها إلى الصيام، لكن التقاليد الكنسية تدعو للصيام قبل أربعين يوما من عيد الفصح، ثم زيدت لتصبح ستة أسابيع بما سمى الصيام الأكبر.
وفى هذا الصيام يمنع أكل لحوم الحيوان ومنتجاته كالألبان ومشتقاتها، إلا أن الأمر يعود للكنيسة، فالكنيسة الروسية تمنع أكل اللحوم والسمك، أما الكنيسة الكاثوليكية فى إنجلترا، فرخصت لأتباعها أكل اللحوم والسمك فى أيام الصيام إلا فى أيام معدودة، كالأربعاء والجمعة والخميس المقدس، أما الأقباط الأرثوذوكس فيصومون فى أيام كثيرة، ويمتنعون عن اللحوم والألبان ومشتقاتها.
ويمكن تقسيم الصيام حسب الطوائف المسيحية إلى ثلاثة أقسام.
وفي الإسلام تشير كتب السيرة النبوية أن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم كل عام شهرا قبل أن ينزل عليه الوحي، وبدأ بعد البعثة بصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، ويحث الصحابة على صيام هذين اليومين، كما صام النبي ثلاثة أيام من كل شهر على طريقة أبينا آدم، وهي ما تسمى بالأيام البيض، وقد وردت العديد من الأحاديث في شأن صيام هذه الأيام.
ويروي الصحابة رحمهم الله في كثير من المواضع أن الرسول صلى الله عليه وٱله وسلم كان يصوم أحيانا أياما متتابعة لا يفطر بينها أبداً، فيظنون أنه لن يفطر مرة أخرى، ثم يجدون أنه أفطر.
وفُرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وقد صام النبي صلى الله عيه وسلم 9 رمضانات قبل أن يلقى ربه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ماصام وسبح لك من حي وجماد.
آمنت بالله
وإلى مقال اليوم السادس ان شاء الله.
adilassoom@gmail.com